سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} أي: لهم مثلها، كما قال: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} [الأنعام- 160]. {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} ومن صلة، أي: مالهم من الله عاصم، {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ} ألبست، {وُجُوهُهُمْ قِطَعًا} جمع قطعة، {مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} نصبت على الحال دون النعت، ولذلك لم يقل: مظلمة، تقديره: قِطَعا من الليل في حال ظلمته، أو قطعا من الليل المظلم. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: {قِطْعا} ساكنة الطاء، أي بعضا، كقوله: {بِقِطْع من الليل} [هود- 81]. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ} أي: الزموا مكانكم {أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} يعني: الأوثان، معناه: ثم نقول للذين أشركوا: الزموا أنتم وشركاؤكم مكانكم، ولا تبرحوا. {فَزَيَّلْنَا} ميزنا وفرقنا {بَيْنَهُمْ} أي: بين المشركين وشركائهم، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده، {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ} يعني: الأصنام، {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} بطلبتنا فيقولون: بلى، كنا نعبدكم، فتقول الأصنام: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي: ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.
قال الله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو} أي: تُختبر. وقيل: معناه: تعلم وتقف عليه، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: {تتلو} بتاءين، أي: تقرأ، {كُلُّ نَفْسٍ} صحيفتها. وقيل: معناه تتبع كل نفس {مَا أَسْلَفَتْ} ما قدمت من خير أو شر. وقيل: معناه تعاين، {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ} إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم، {مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} الذي يتولى ويملك أمورهم: فإن قيل: أليس قد قال: {وأن الكافرين لا مولى لهم} [محمد- 11]؟ قيل: المولى هناك بمعنى الناصر، وها هنا بمعنى: المالك، {وَضَلَّ عَنْهُمْ} زال عنهم وبطل، {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} في الدنيا من التكذيب.


قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَار} أي: من إعطائكم السمع والأبصار، {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي، {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ} أي: يقضي الأمر، {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} هو الذي يفعل هذه الأشياء، {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟.
{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ} الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم، {الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: فأين تصرفون عن عبادته وأنتم مقرون به؟.
{كَذَلِك} قال الكلبي: هكذا، {حَقَّتْ} وجبت، {كَلِمَةُ رَبِّكَ} حكمه السابق، {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} كفروا، {أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر {كلمات ربك} بالجمع هاهنا موضعين، وفي المؤمن، والآخرون على التوحيد.
قوله: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} أوثانكم {مَن يَبْدَأُ الْخَلْقَ} ينشئ الخلق من غير أصل ولا مثال، {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ثم يحييه من بعد الموت كهيئته، فإن أجابوك وإلا فـ {قُلْ} أنت: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: تصرفون عن قصد السبيل.


{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي} يرشد، {إِلَى الْحَقِّ} فإذا قالوا: لا- ولا بد لهم من ذلك- {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} أي إلى الحق.
{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي} قرأ حمزة والكسائي: ساكنة الهاء، خفيفة الدال، وقرأ الآخرون: بتشديد الدال، ثم قرأ أبو جعفر، وقالون: بسكون الهاء، وأبو عمرو بِرَوْمِ الهاء بين الفتح والسكون، وقرأ حفص: بفتح الياء وكسر الهاء، وأبو بكر بكسرهما، والباقون بفتحهما، ومعناه: يهتدي- في جميعها- فمن خفَّف الدال، قال: يقال: هديته فهدى، أي: اهتدى، ومَنْ شدَّد الدال أدغم التاء في الدال، ثم أبو عمرو يروم على مذهبه في إيثار التخفيف، ومَنْ سكَّن الهاء تركها على حالتها كما فعل في {تعدوا} و{يخصمون} ومَنْ فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء، ومَنْ كسر الهاء فلالتقاء الساكنين، وقال الجزم يُحَرَّكُ إلى الكسر، ومن كسر الياء، مع الهاء أتبع الكسرةَ الكسرةَ.
قوله تعالى: {إِلا أَنْ يُهْدَى} معنى الآية: الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يُهدَى؟.
فإن قيل: كيف قال: {إلا أن يُهْدى}، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يُهْدَى؟.
قيل: معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال، أي: أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تُحمل وتُنقل، يتَبَيَّنُ به عجز الأصنام.
وجواب آخر وهو: أنَّ ذِكْرَ الهداية على وجه المجاز، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة مَنْ يسمع ويعقل عبّر عنها بما يُعبّر عمن يعلم ويعقل، ووُصِفَتْ بصفة مَنْ يعقل.
{فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا؟
قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا} منهم، يقولون: إن الأصنام آلهة، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظنا منهم، لم يَرِدْ به كتاب ولا رسول، وأراد بالأكثر: جميع من يقول ذلك، {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} أي: لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئا. وقيل: لا يقوم مقام العلم، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8